فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال غيره: من أسن الماء إذا تغير، ولا يصح لاختلاف المادتين.
وقيل: مصبوب من سننت التراب والماء إذا صببته شيئًا بعد شيء، فكان المعنى: أفرغ صورة إنسان كما تفرغ الصور من الجواهر المذوبة في أمثلتها.
قال الزمخشري: وحمأ مسنون بمعنى مصور أنْ يكون صفة لصلصال، كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف، فيبس حتى إذا نقر صلصال ثم غيره بعد ذلك إلى جوهر آخر انتهى.
وقيل: المسنون المصور من سنة الوجه، وهي صورته.
قال الشاعر:
تريك سنة وجه غير مقرفة

وقيل: المسنون المنسوب أي: ينسب إليه ذريته.
والجان: هو أبو الجن، قاله ابن عباس.
قال الزمخشري: والجان للجن كآدم للناس.
وقال الحسن وقتادة: هو إبليس، خلق قبل آدم.
وقال ابن بحر: هو اسم لجنس الجن، والإنسان المراد به آدم، ومن قبل أي: من قبل خلق الإنسان.
وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد: والجأن بالهمز.
والسموم قال ابن عباس: الريح الحارة التي تقتل.
وعنه: نار لا دخان لها، منها تكون الصواعق.
وقال الحسن: نار دونها حجاب.
وعن ابن عباس: نفس النار، وعنه: لهب النار.
وقيل: نار اللهب السموم.
وقيل: أضاف الموصوف إلى صفته أي: النار السموم.
وسويته أكملت خلقه، والتسوية عبارة عن الإتقان، وجعل أجزائه مستوية فيما خلقت.
ونفخت فيه من روحي أي: خلقت الحياة فيه، ولا نفخ هناك، ولا منفوخ حقيقة، وإنما هو تمثيل لتحصيل ما يحيي به فيه.
وأضاف الروح إليه تعالى على سبيل التشريف نحو: بيت الله، وناقة الله، أو الملك إذ هو المتصرف في الإنشاء للروح، والمودعها حيث يشاء.
وقعوا له أي: اسقطوا على الأرض.
وحرف الجر محذوف من أن أي: ما لك في أن لا تكون.
وأي: داع دعا بك إلى إبائك السجود.
ولا سجد اللام لام الجحود، والمعنى: لا يناسب حالي السجود له.
وفي البقرة نبه على العلة المانعة له وهي الاستكبار أي: رأى نفسه أكبر من أن يسجد.
وفي الأعراف صرح بجهة الاستكبار، وهي ادعاء الخيرية والأفضلية بادعاء المادة المخلوق منها كل منهما.
وهنا نبه على مادة آدم وحده، وهنا فاخرج منها وفي الأعراف: {فاهبط منها} وتقدم ذكر الخلاف فيما يعود عليه ضمير منها.
وقد تقدمت منها مباحث في سورة البقرة، والأعراف، أعادها المفسرون هنا، ونحن نحيل على ما تقدم إلا ما له خصوصية بهذه السورة فنحن نذكره.
فتقول: وضرب يوم الدين غاية للعنة، إما لأنه أبعد غاية يضربها الناس في كلامهم، وإما أن يراد أنك مذموم مدعو عليك باللعنة في السموات والأرض إلى يوم الدين من غير أن تعذب، فإذا جاء ذلك
اليوم عذبت بما ينسى اللعن معه. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} أي هذا النوع بأن خلقناأصله وأول فرد من أفراده خلقًا بديعًا منطويًا على خلق اسئر أفراد انطواء اجماليًا كما مر تحقيقه في سورة الأنعام {مِن صَلْصَالٍ} من طين يابس غير مطبوخ يصلصل أي يصوت عند نقرة قبل اذا توهمت في صوته مدا فهو صليل وإن توهمت فيه ترجيعًا فهو صلصلة وقيل هو تضعيف صل إذانتين {مِّنْ حَمَإٍ} من طين تغير وأسود بطول مجاورة الماء وهو صفة لصلصال أي من صلصال كائن من حم {مَّسْنُونٍ} أي مصور من سنة الوجه وهي صورته أو مصبوب من سن الماء صبه أي مفرغ على هيئة الآنسان كما يفرغ الصور من الجواهر المذابة في القوالب وقيل منتن فهو صفة لحما وعلى الأولين حقه أن يكون صفة لصلصال وإنما أخر عن حمنتبيها على أن ابتداء مسنونيته ليس في حال كونه صلصالًا بل في حال كونه حمكأنه سبحانه أفرغ الحمأ فصور من ذلك تمثال انسانا أجوف فيبس حتى اذا نقر صوت ثم غيره إلى جوهر آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.
{والجآن} أبا الجن وقيل ابليس ويجوز أ، يراد به الجنس كما هو الظاهر من الانسان لأن تشغب الجنس لما كان من فردواحد مخلوق من مادة واجدة كان الجنس بأسره مخلوقًا منها وبالهمزة وانتصابه بفعل يفسره {خَلَقْنَاهُ} وهو أقوى من الرفع للعطف على الجملة الفعلية {مِن قَبْلُ} من قبل خلق الانسان ومن هذا يظهر جواز كون المراد بالمستقدمين أحد الثقلين وبالمستأخرين الآخر والخطاب بقوله منكم للكل {مِن نَّارِ السموم} من نار الجر الشديد النافذ في المسام ولا امتناع من خلق الحياة في الأجرام البسيطة كما لا امتناع من خلقها في الجواهر المجردة فضلًا عن الأجسام المؤلفة التي غالب أجزائها الجزء الناري فانها أقبل لها من التي غالب أجزائها الجزء الأرضي وقوله تعالى: {من نار} باعتبار الغالب كقوله تعالى: {خلقكم من تراب} ومساق الآية الكريمة كما هو للدلالة على كمال قدرة الله تعالى وبيان بدء خلق الثقلين فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر وهو قبول المواد للجميع والاحياء.
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ} نصب بإضمار ذكر وتذكير الوقت لما مر مرارًا من أنه أدخل في تذكير ما وقع فيه من الحوادث وفي التعرض لوصف الربوبية المنبئة عن تبليغ الشيء إلى كماله اللائق به شيئًا فشيئًا مع الاضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام اشعار بعلة الحكم وتشريف له عليه الصلاة والسلام أي اذكر وقت قوله تعالى: {لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ} فيما سيأتي وفيه ما ليس في صيغة الماضرع من الدلالة على أنه تعالى فاعل له البتة من غير صارف يثنيه ولا عاطف يلونه {بَشَرًا} أي انسانًا قيل ليس هذا عين العبارة الجارية وقت الخطاب بل الظاهر أن يكون قد قيل لهم اني خالق خلقًا من صفته كيت وكيت ولكن اقتصر عند الحكاية على الاسم وقيل حسمًا كثيفًا يلاقي ويباشر وقيل خلقًا بادى البشر بلا صوف ولا شعرة {مِّن صَلْصَالٍ} متعلق بخالق أو بمحذوف وقع صفة لمفعوله أي بشرًا كائنًا من صلصال كائن {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} تقدم تفسيره ولا ينافي هذا ما في قوله تعالى في سورة ص من قوله: {بشرًا من طين} فإن عدم التعرض عند الحكاية لوصف الطين من التغير والأسود ولما ورد عليه من آثار التكوين لا يستلزم عدم التعرض لذلك عند وقوع المحكى غايته أنه لم يتعرض له هناك اكتفاء بما شرح ههنا.
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} أي صورته بالصورة الانسانية والخلقة البشرية أو سويت أجزاء بدنه بتعديل طبائعه {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى} النفخ اجراء الريح إلى تجويف جسم صالح لامساكها والامتلاء بها وليس ثمة نفخ ولا منفوخ وانما هو تمثيل لافاضة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها أي فاذا كملت استعداده وأفضت عليه ما يحيا به من الروح التي هي من أمري {فَقَعُواْ لَهُ} أمر من وقع يقع وفيه دليل على أن ليس المأمور به مجرد الانحناء كما قيل أي اسقطوا له {سَاجِدِينَ} تحية له وتعظيمًا أو اسجدوا لله تعالى على أنه عليه الصلاة والسلام بمنزلة القبلة حيث ظهر فيه تعاجيب آثار قدرته تعالى حكمته كقول حسان رضي الله تعالى عنه:
أليس أول من صلى لقبلتكم ** وأعلم الناس بالقرآن والسنن

{فَسَجَدَ الملائكة} أي فخلقه فسواه فنفخ فيه الروح فسجد الملائكة {كُلُّهُمْ} بحيث لم يشذ منهم أحد {أَجْمَعُونَ} بحيث لم يتأخر في ذلك أحد منهم عن أحد ولا اختصاص لإفادة هذا المعنى بالحالية بل يفيده التأكيد أيضًا فإن الاشتقاق الواضح يرشد إلى أن فيه معنى الجمع والمعية بحسب الوضع والأصل في الخطاب التنزيل على أكمل أحوال الشيء ولا ريب في أن السجود معًا أكمل أصناف السجود لكن شاع استعماله تأكيدًا وأقيم مقام كل في افادة معنى الاحاطة من غير نظر إلى الكمال فإذا فهمت الاحاطة من لفظ آخر لم يكن بد من مراعاة الأصل صونا للكلام عن الالغاء وقيل أكد بتأكيدين مبالغة في التعميم هذا وأما ان سجودهم هذا هل ترتب على ما حكى من الأمر التعليقي كما تقتضيه هذه الآية الكريمة والتي في سورة ص أو على الأمر التنجيزي كما يستدعيه ما في غيرهمافقد خرجنا بفضل الله عز وجل عن عهدة تحقيقه في تفسير سورة البقرة.
{إِلاَّ إِبْلِيسَ} استثناء متصل إما لأنه كان جنيًا مفردًا مغمورًا بألوف من الملائكة فعد منهم تغليبًا واما لأن من الملائكة جنسًا يتوالدون وهو منهم وقوله تعالى: {أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين} استئناف مبين لكيفية عدم السجود المفهوم من الاستثناء فإن مطلق عدم السجود قد يكون مع النردد به علم أنه مع الاباء والاستكبار أو منقطع فيتصل به ما بعده أي لكن ابليس أبى ان يكون معهم وفيه دلالة على كمال ركاكة رأيه حيث أدمج في معصية واحدة ثلاث معاص مخالفة الأمر والاستكبار مع تحقير آدم عليه الصلاة والسلام ومفارقة الجماعة والاباء عن الانتظام في سلك أولئك المقربين الكرام {قَالَ} استئناف مبنى على سؤال من قال فماذا قال الله تعالى عند ذلك فقيل قال: {يا إبليس مَا لَكَ} اي أي سبب لك لاأي غرض لك كما قيل لقوله تعالى: {ما منعك أَلاَّ تَكُونَ} في أن لا تكون {مَعَ الساجدين} لآدم مع أنهم هم ومنزلتهم في الشرف منزلتهم وما كان التوبيخ عند وقوعه لمجرد تخلفه عنهم بل لكل من المعاصي الثلاث المذكورة قال تعالى في سورة الأعراف: {قال ما منعك أن لا تسجد اذ أمرتك} وفي سورة ص قال يا ابليس ما منعك أن تسجد ملا خلقت بيدي ولكن اقتصر عند الحكاية في كل موطن على ما ذكر فيه اجتراء بما ذكر في مواطن آخر واشعار بأن كل واحدة من تلك المعاصي الثلاث كافية في التوبيخ واظهار بطلان ما ارتكبته وقد تركت حكاية التوبيخ رأسًا في سورة البقرة وسورة بني اسارئيل وسورة الكهف وسورة طه.
{قَالَ} أي ابليس وهو أيضًا استئناف مبنى على السؤال الذي ينساق اليه الكلام {لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ} اللام لتأكيد النفي أي ينافي حالي ولا يستقيم مني لأني مخلوق من أشرف العناصر وأعلاها أن اسجد {لِبَشَرٍ} أي جسم كثيف {خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} اقتصر هاهنا على الاشارة الاجمالية إلى ادعاء الخيرية وشرف المادة اكتفاء بما صرح به حين قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ولم يكتف اللعين بمجرد ذكر كونه عليه الصلاة والسلام من التراب الذي هو أخس العناصر وأسفلها بل تعرض لكونه مخلوقًا منه في أخس أحواله من كونه طينا متغيرا وقد اكتفى في سورة الاعراف وسورة ص بما حكى عنه هاهنا فاقتصر على حكاية تعرضه لخلقه عليه الصلاة والسلام من طين وكذا في سورة بني إسرائيل حيث قيل أأسجد لمن خلقت طينًا وفي جوابه دليل على أن قوله تعالى: {مالك} ليس استفسارا عن المناقشة وأنى له ذلك كأنه قال لم أمتنع عن امتثال الأمر ولا عن الانتظام في سلك الملائكة بل عما لا يليق بشأنى من الخضوع للمفضول ولقد جرى خذله الله تعالى على سنن قياس عقيم وزل عنه أن ما يدور عليه فلك الفضل والكمال هو التحلي بالمعارف الربانية والتخلي عن الملكات الردية التي أقبحها التكبر والاستعصاء على أمر رب العالمين جلا جلاله.
{قَالَ فاخرج مِنْهَا} أي من زُمرة الملائكةِ المعزّزين لا من السماء، فإن وسوسته لآدمَ عليه الصلاة والسلام في الجنة إنما كانت بعد هذا الطرد، وقوله تعالى: {فاهبط مِنْهَا} ليس نصًّا في ذلك، فإن الخروجَ من بين الملإ الأعلى هبوطٌ وأيُّ هبوط، أو من الجنة على أن وسوستَه كانت بطريق النداءِ من بابها كما رُوي عن الحسن البصْري، أو بطريق المشافهة بعد أن احتال في دخولها وتوسّل إليه بالحيّة كما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولا ينافي هذا طردَه على رؤوس الأشهاد لما يقتضيه من الحِكَم البالغة {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} مطرودٌ من كل خير وكرامةٍ، فإن من يُطرَدْ يُرجَمْ بالحجارة، أو شيطان يُرجَمُ بالشهب وهو وعيدٌ يتضمن الجوابَ عن شبهته، فإن مَن عارض النصَّ بالقياس فهو رجيم ملعون.
{وَإِنَّ عَلَيْكَ اللعنة} الإبعادَ عن الرحمة، وحيث كان ذلك من جهة الله سبحانه وإن كان جاريًا على ألسنة العبادِ، قيل: في سورة ص {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى} {إلى يَوْمِ الدين} إلى يوم الجزاء والعقوبةِ، وفيه إشعارٌ بتأخير عقابِه وجزائِه إليه، وأن اللعنة مع كمال فظاعتِها ليست جزاءً لفعله وإنما يتحقق ذلك يومئذ، وفيه من التهويل ما لا يوصف، وجعلُ ذلك أقصى أمدِ اللعنة ليس لأنها تنقطع هنالك، بل لأنه عند ذلك يعذَّب بما يَنسى به اللعنة من أفانين العذابِ، فتصير هي كالزائل.
وقيل: إنما حدت به لأنه أبعدُ غاية يُضَرّ بها الناسُ كقوله تعالى: {خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السموات والأرض} وحيث أمكن كونُ تأخير العقوبةِ مع الموت كسائر من أُخِّرت عقوباتُهم إلى الآخرة من الكفرة، طلب اللعينُ تأخيرَ موتِه كما حُكي عنه بقوله تعالى: {قَالَ رَبّ فَأَنظِرْنِى}. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} أي هذا النوع بأن خلقنا أصله وأول فرد من أفراده خلقًا بديعًا منطويًا على خلق سائر أفراده انطواءً إجماليًا.
{مِن صلصال} أي طين يابس يصلصل أي يصوت إذا نقر.
أخرجه ابن أبي حاتم عن قتادة ونقله في الدر المصون عن أبي عبيدة ونقل عنه أبو حيان أنه قال: هو الطين المخلوط بالرمل وهو رواية عن ابن عباس، وفي رواية أخرى عنه أنه الطين المرقق الذي يصنع منه الفخار، وفي أخرى نحو الأول، وقيل: هو من صلصل إذ أنتن تضعيف صل يقال: صل اللحم وأصل إذا أنتن وهذا النوع من المضعف مصدر يفتح أوله ويكسر كالزلزال ووزنه عند جمهور البصريين فعلال، وقال الفراء: وكثير من النحويين فعفع كررت الفاء والعين ولا لام، وغلطهم في الدر المصون لأن أقل الأصول ثلاثة فاء وعين ولام، وقال بعض البصريين والكوفيين: فعفل ونسب أيضًا إلى الفراء بل قيل هو المشهور عنه، وعن بعض آخر من الكوفيين أن وزنه فعل بتشديد العين والأصل صلل مثلًا فلما اجتمع ثلاثة أمثال أبدل الثاني من جنس الفاء، وخص بعضهم هذا الخلاف بما إذا لم يختل المعنى بسقوط الثالث كلملم وكبكب فإنك تقول لم وكب فلو لم يصح المعنى بسقوطه نحو سمسم فلا خلاف في أصالة الجميع، وقال اليمني: ليس معنى قولهم: إن الأصل صلل أنه زيد فيه صاد بل هو ربقاعي كزلزل والاشتراك في أصل المعنى لا يقتضي أن يكون منه إذ الدليل دال على أن الفاء لا تزاد لكن زيادة الحرف تدل على زيادة المعنى، وذكر في البحر أن صلصال بمعنى مصلصل كالقضاض بمعنى المقضقض فهو مصدر بمعنى الوصف ومثله كثير.
{مّنْ حَمَإٍ} من طين تغير واسود من مجاورة الماء ويقال للواحدة حمأة، قال الليث: بتحريك الميم ووهم في ذلك وقالوا: لا نعرف الحمأة في كلام العرب إلا ساكنة الميم وعلى هذا أبو عبيدة والأكثرون، والجار والمجرور في موضع الصفة لصلصال كما هو السنة الشائعة في الجار والمجرور بعد النكرة أي من صلصال كائن من حمإ، وقال الحوفي: هو بدل مما قبله بإعادة الجار فكأنه قيل خلقناه من حمإ {مَّسْنُونٍ} أي مصور من سنة الوجه وهي صورته، وأنشد لذلك ابن عباس قول عمه حمزة يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
أغر كأن البدر سنة وجهه ** جلا الغيم عنه ضوؤه فتبددا

وأنشد غيره قول ذي الرمة:
تريك سنة وجه غير مقرفة ** ملساء ليس بها خال ولا ندب

أو مصبوب من سن الماء صبه ويقال شن بالشين أيضًا أي مفرغ على هيئة الإنسان كما تفرغ الصور من الجواهر المذابة في القوالب، وقال قتادة.
ومعمر: المسنون المنتن، قيل: وهو من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فالذي يسيل بينهما سنين ولا يكون إلا منتنًا، وقيل: هو من سننت الحديدة على المسن إذا غيرتها بالتحديد، وأصله الاستمرار في جهة من قولهم: هو على سنن واحد وهو صفة لحمإ، ويجوز أن يكون صفة لصلصال ولا ضير في تقدم الصفة الغير الصريحة على الصريحة، فقد قال الرضي: إذا وصفت النكرة بمفرد أو ظرف أو جملة قدم المفرد في الأغلب وليس بواجب خلافًا لبعضهم، والدليل عليه قوله تعالى: {وهذا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أنزلناه} [الأنبياء: 50]. لكنه يحتاج إلى نكتة لاسيما في كلام الله تعالى لأنه لا يعدل عن الأصل لغير مقتض، ولعل النكتة هاهنا مناسبة المقدم لما قبله في أن كلًا منهما من جنس المادة، وقيل: إنما أخرت الصفة الصريحة تنبيهًا على أن ابتداء مسنونيته ليس في حال كونه صلصالًا بل في حال كونه حمأ كأنه سبحانه أفرغ الحمأ فصور من ذلك تمثال إنسان أجوف فيبس حتى إذا نقر صوت ثم غيره طورًا بعد طور حتى نفخ فيه من روحه فتبارك الله أحسن الخالقين، وقيل: المسنون المنسوب أي نسب إليه ذريته وهو كما ترى.